كتبه: د/ عبدالعليم البستوي
1429هـ
الدَّغَلُ في اللغة: "الشجر الكثيف
الملتف" أي ما يقال له اﻷَجَمة ونحوها.
وإن مثل هذه اﻷماكن تكون في الغالب ملاجئ
ومخابئ للذئاب واﻷسود، وكل الضواري والقوارص واللواذع. كما يختبئ فيها أهل الفساد من
اللصوص، وقطاع الطرق، والقناصة، والرماة من المحاربين، والقتلة، فينتظرون فريستهم فإذا
دنت منها وأصبحت منهم على مرمى، ينقضون عليها ويقضون نهمتهم منها قتلاً وبغياً وفساداً. وهكذا
بكل مكان يكمن فيه أهل الفساد والخديعة.
وقيل: الدَّغَل: كل موضع يُخاف فيه الاغتيال.
والجمع أدغال ودِغال.
ومنه قول الشاعر:
ومنه قول الشاعر:
سابرته ساعةً ما بي مخافتُه إلا التَّلفُّتُ حولي هل أرى دَغَلا؟
وحيث إن اﻷدغال تستعمل في الغالب للفساد
والمكر والخديعة؛ فقد أصبحت الكلمة مرادفة للفساد نفسه حتى بدأ صاحب لسان العرب بشرح
الكلمة بقوله: " الدَّغَلُ بالتحريك: الفساد. وأَدغَلَ في اﻷمر. أدخل فيه ما يفسده"
واﻷدغال تكثر حيثما تكثر اﻷشجار والغابات،
وخاصة في المناطق الاستوائية التي تكثر فيها اﻷمطار من بلدان أفريقيا حتى وكأن كلمة
أدغال أصبحت ملازمة لأفريقيا فكلما تطرق سمع الانسان كلمة "اﻷدغال" ينصرف
ذهنه فوراً إلى أفريقيا.
ولكن الواقع أن اﻷدغال ليست خاصة بأفريقيا،
بل إنها توجد في معظم مناطق العالم حيث تكثر الغابات واﻷمطار،
وقد تسكن مجموعات من البشر في مناطق تلك اﻷدغال وما جاورها من الغابات والمناطق المهجورة.
وقد تسكن مجموعات من البشر في مناطق تلك اﻷدغال وما جاورها من الغابات والمناطق المهجورة.
ويعاني سكان اﻷدغال في الغالب من شظف العيش،
والفقر المدقع، فلا تؤويهم إلا اكواخ متهالكة متقطعة لا تحميهم من الحر ولا اﻷمطار
ولا العواصف، أجسادهم عارية أو شبه عارية، ألوانهم سوداء باهتة، وقد لا يجدون من المآكل
والملبس إلا ما تنتجه أشجار الغابات، أو ما يتمكنون من سلبه ونهبه من القبائل المجاورة
أو القوافل المارة، أو ما يصطادونه من من الحيوانات
والطيور.
ولكن هناك أنواع أخرى من اﻷدغال في مناطق
أخرى من هذا العالم يظن أصحابها أنهم بلغوا قمة المدنية والحضارة، وأوج التقدم والرقي
والازدهار، ولكنهم يفوقون كثيراً أصحاب أدغال الغابات في المكر والخديعة والتآمر ضد
الآخرين؛ فأصحاب أدغال الغابات يهجمون على أعدائهم أو فرائسهم بأسلحتهم البدائية من
اﻷسهم والنبال والرماح والسيوف فيصيبون بها أعداداً محدودة ويغنمون غنائم ضئيلة.
أما أصحاب أدغال الحضارة فإن ترساناتهم
ومخازنهم تحوي من أسلحة الفتك والدمار ما يكفي لتدمير العالم كله في ساعات قليلة.
وإنهم ينقضون على فرائسهم بالصواريخ والقنابل
والدبابات والطائرات فيدمرون شعوباً بأكملها، ويحرقون بلداناً بما فيها، ويسلبون
من خيراتها ومكتسباتها ما لا يعد ولا يحصى. وكفاهم فخراً أن حرباً واحدة منهم في أواسط
القرن الماضي قضت على ما يزيد عن أربعين مليون نسمة وما زال دغلهم يشتد ويتوسع ويبلغ
بلداناً وشعوباً واحدة تلو اﻷخرى.
وإذا قارنا بين الحياة الاجتماعية
لكل من نوعي اﻷدغال:
نجد أن سكان أدغال الغابات يعيشون في مجموعات صغيرة
يغلب عليهم الفقر، فأجسادهم نحيفة، وملابسهم بالية لا تكاد تستر عوراتهم؛ ﻷنهم لا يجدون
من الملابس المحتشمة ما يسترهم.
أما أصحاب أدغال الحضارة فعلى الرغم من
توفر أحسن أنواع الملابس لديهم يتجمعون في مجموعات مختلطة عراة أو أشباه عراة على الشواطئ
والحدائق وأماكن الترفيه والسياحة بمحض إرادتهم ورغبتهم ويعتبرون ذلك من الحرية الشخصية
والمتعة الاجتماعية.
وإذا جئنا إلى مجال الفكر والعقيدة:
نجد أن أصحاب أدغال الغابات يعبدون اﻷصنام واﻷوثان واﻷشجار، ولا يؤمنون بالحياة اﻷخروية، أو لديهم تصورات مشوهة عن حياة أخرى
كتناسخ اﻷرواح وما شابه ذلك.
وكذلك أصحاب أدغال الحضارة فإنهم يعبدون
التماثيل واﻷخشاب والصلبان، ولا يؤمن أكثرهم بالحياة اﻷخروية،
وكذلك فإن المحظوظ عندهم من يغتنم فرصة هذه الحياة ويتمتع بأكبر قدر ممكن من المتع
واللذات.
أما في مجال الحياة اﻷخلاقية:
فإن أصحاب أدغال الغابات تكثر عندهم المنكرات نتيجة
العري والتفسخ الموجود بينهم، ولكن أصحاب أدغال الحضارة يفوقونهم في هذه اﻷمور بأضعاف.
وبعد هذه المقارنة السريعة نرى أنه لا فرق
بين أصحاب أدغال الغابات وبين أصحاب أدغال الحضارات، سوى أن الأولين أجسادهم جافة،
وألوانهم باهتة، وأن اﻵخرين أجسادهم طرية ناعمة، وألوانهم متفتحة، وأنهم يفوقون اﻷولين
كثيراً في الدغل والمكر والخديعة والتآمر؛ ﻹهلاك الشعوب اﻷخرى، وتدمير أوطانها ومكتسباتها،
وسلب ونهب خيراتها بمختلف الطرق والوسائل، ومع ذلك يزعمون أنهم بلغوا قمة الحضارة وذروة
الرقي والتقدم فهل هذه هي الحضارة؟
إن سكان أدغال الغابات إذا قتلوا نفساً
ربما يفرحون ويرقصون أمام جثته. أما أصحاب أدغال الحضارة فإنهم يقتلون شعوباً بأكملها
ثم يتظاهرون بالرثاء لهم والبكاء عليهم.
يملؤون الشوارع والأزقة بالدماء واﻷشلاء،
ثم يملؤون شاشات وسائل اﻹعلان وصفحاتها بدموع التماسيح.
يقتلون الشعوب بأكملها بالجوع والعطش، ويحرمون
اﻷطفال الرضع من الحليب والغذاء، والمرضى من اﻷدوية واﻹسعافات، ثم يعقدون مؤتمرات تنادي
برفع الحيف والظلم عن تلك الشعوب.
يرفعون رايات اﻷمن والسلام للعالم من يد،
بينما اليد الأخرى تمد كل الفتن والحروب باﻷسلحة والمتفجرات لتزداد اشتعالاً وضراوة.
ما أحوج سكان هذه اﻷدغال بنوعيها إلى حضارة
اﻹسلام المبنية على اﻷمان والسلام والحرية والعدالة والمساواة في هذه الدنيا ثم النجاة
في اﻵخرة.
وإنهم في أمس الحاجة إلى من ينشر لهم رسالة الأمن والسلام، رسالة
الإسلام. فهل نحن فاعلون؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق