نُشر في صحيفة العالم
اﻹسلامي العدد1305
الاثنين 22 رمضان
1413هـ
"أي
داء أدوأ من البخل" حكمة بالغة، وكلمة جامعة نطق بها من أُعطي جوامع الكلم صلى الله عليه
وسلم.
البخل من العادات القبيحة والخصال الذميمة المعروفة،
وخير دليل على شناعته وقبحه أنه حتى من يتصف به لا يرضى أن يُوصف به.
وقد ألف اﻷديب المعتزلي المشهور أبو عثمان عمرو بن
بحر الجاحظ (ت255هـ) كتاباً كبيراً جمع فيه من قصص البخل والبخلاء نكتاً وحكايات طريفة
في أسلوب أدبي شيق يجد قارئه فيه كثيراً من المتعة والطرفة وقد سماه "كتاب البخلاء".
وأصغر منه حجماً وأكثر منه نفعاً ما ألفه المحدث البغدادي
المشهور أبو بكر علي بن ثابت الخطيب (ت463هـ) بالاسم نفسه وقد ذكر فيه اﻷحاديث الواردة
في هذا الشأن، باﻹضافة إلى النكت والطرائف واﻷشعار واﻵثار وغيرها.
ولكن لا أريد اﻵن التحدث عن هذا النوع من البخل فإن
أمره معروف، وقبحه واضح، والابتعاد عنه واجب، والتوغل فيه يحرم المرء من كثير من أبواب
الخير في الدين والدنيا، ويجلب له كثيراً من الخزي والندامة.
فما أقصده
هنا هو بخل من نوع آخر لا ينتج عن شح في مال أو حرص في متاع دنيوي آئل إلى زوال. بل
ينتج عن غفلة في القلب، وقلة الاهتمام باﻷمر، وذلك ما رواه الحسين بن علي -رضي الله
عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
(البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ) رواه الترمذي
وقال حسن صحيح. والنسائي وابن حبان وغيرهم.
وفي حديث ﻷبي ذر -رضي الله عنه- (إن أبخل الناس من
ذكرت عنده فلم يصل عليّ) رواه اسماعيل القاضي في فضل الصلاة على
النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمحروم من حرم فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه
وسلم-. والصلاة عليه لا يحتاج إلى بذل مال ولا جاه. ولا
يتطلب جهداً. كلمات يرددها المرء بلسانه، ويقدر عليها كل غني وفقير وصغير وكبير، ومع
ذلك بخل المرء فيه فلا شك أنه من أبخل الناس لا سيما وأنه بهذا البخل حرم نفسه من أجر
كثير وفضل كبير.
وللصلاة
على النبي -صلى الله عليه وسلم- فوائد
كثيرة ومنافع عظيمة، تعود على المرء في دينه ودنياه، فكفاه شرفاً وفضلاً أنه يقوم بعمل
قام به الرب ذو الجلال واﻹكرام أولاً، وملائكته ثانياً، ثم أمر به المؤمنين ثالثاً.
فقد قال الله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا
عليه وسلموا تسليما) اﻷحزاب:56
ووردت
في فضل الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث
كثيرة لا يمكن إحصاؤها في هذه العجالة. وقد قام به أئمة اﻹسلام وحماة سنة المصطفى -صلى الله عليه
وسلم- فذكروها في كتبهم وأفردوها بالتصنيف والتأليف. فمن
أقدم من ألف في هذا الموضوع اﻹمام اسماعيل بن اسحاق القاضي (ت582هـ) وسمى كتابه "فضل
الصلاة على النبي صلى الله علبه وسلم" وكتابه محقق مطبوع.
وكذلك اﻹمام ابن أبي عاصم النبيل (ت287هـ) ولكن كتابه
لا يعرف له وجود اﻵن.
ومن أجمع
وأحسن من ألف في هذا الموضوع اﻹمام ابن قيم الجوزية (ت751هـ) في كتابه "جلاء اﻷفهام في الصلاة
والسلام على خير اﻷنام" واﻹمام السخاوي (ت902هـ) في كتابه "القول البديع في
الصلاة على الحبيب الشفيع"
ومما
ورد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه
عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- : (من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً) رواه مسلم
وغيره.
قال البخاري: قال أبو العالية: صلاة الله تعالى ثناؤه
عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء. وقال الترمذي: وروي عن سفيان الثوري وغير
واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.وعن ابن مسعود
-رضي الله عنه-أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
(أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة) رواه الترمذي
وقال: حديث حسن.
ياله من
شرف!
صلاة ورحمة من رب العالمين
ورفقة وقربة من سيد المرسلين –صلى الله عليه
وسلم-
وياله
من خسارة إذا حرم الانسان هذا الشرف والمنزلة؛ ولذلك ذمه المصطفى -صلى الله عليه
وسلم- فيما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال: (رغم أنف
رجل ذكرت عنده فلم يصل عليّ) رواه الترمذي وقال حديث حسن.
وللصلاة
على النبي -صلى الله عليه وسلم- صيغ كثيرة، وردت في اﻷحاديث الصحيحة. ومن أجملها وأوفاها
ما رواه البخاري في صحيحه عن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا
أهدي لك هدية سمعتها من النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقلت:
بلى فأهدها لي. فقال: سألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا:
يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم. قال: قولوا:
(اللهم صل على محمد كما صليت على ابراهيم وعلى آل ابراهيم انك حميد مجيد. اللهم بارك
على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد) "6/
408، حديث 3370"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق