الخميس، 15 يونيو 2017

مقال: عدو خفي




نُشر في مجلة رابطة العالم الإسلامي
العدد ٤٤٧
محرم ١٤٢٣ - ابريل ٢٠٠٢


عدو لدود، شرس مكار،
معلن بتحديه، لا يداهن ولا يكتم،
مجاهر بعدائه،
معروف بمكره ودهائه،
لا يفتر ولا يمل،
شره متواصل وكيده يغري كل غافل.


يملك جيشاً عَرَمرَماً يفوق عدد خيله ورجله عدد البشر كلهم، سلط جندياً من جنوده على كل إنسان، يلازمه ليل نهار، ويراقبه في كل حركاته وسكناته، ومع ذلك تبقى لديه كتائب وفيالق أخرى للمهمات الخاصة والعامة، يملك من العدة والعتاد وأسلحة الفتك والدمار ما لا يوجد مثله لدى أي قوة أخرى في العالم.


كل ما يوجد على وجه المعمورة من قوى الشر والطغيان فإنه من فيضه يقتبس،
ومن وحيه يتصرف، ومن ناره يستنير.

تصل ضرباته إلى القلب والجنان، والعقل واللسان، وتظهر آثارها على الجوارح والأركان، ومع ذلك تبقى ضحاياه حية ترزق كأن لم يصل إليها سهم ولا سنان، بل قد ترغب وتتمنى المزيد من تلك الضربات الموجعة، والهجمات الفتاكة التي لا تشعر بآلامها المبرحة إلا بعد فوات الأوان فيندم ولات حين مندم.


تنتشر قواته في البر والبحر،
وتجوب الفضاء تخطف الخطفة من عنان السماء، حتى يتبعها شهاب ثاقب، دحوراً ولهم عذاب واصب.


يضع عرشه فوق عباب البحر، ويعقد اجتماعات مع جنرالاته وقواده لوضع استراتيجيات الإفساد والإضلال، وتدارس ما تم تنفيذه من خطط التخريب والتدمير، فيثني على المنجزين في تنفيذ مهماتهم، ويعاتب المقصرين والفاشلين.



أحد جنرالاته يقال له: خنزب.
مكلف بمهمة خطيرة، وهي إفساد صلوات المسلمين.




فبمجرد دخول المسلم في صلاته يتعرض له خنزب فيوسوس له ويذكره بأمور تلهيه عن معاني الصلاة، وتشغل باله عن أدائها كما ينبغي، وتصرف قلبه عن الخشوع لله والإنابة إليه بالذكر والدعاء، فيقوم الإنسان في صلاته يركع ويسجد ويقرأ القرآن والأدعية والأذكار كالآلة المتحركة دون أن يعي ما يقول، وقد لا يذكر كم صلى، وينصرف من الصلاة وما يكتب له إلا عشرها أو تسعها أو أقل من ذلك، إذ ليس للعبد من صلاته إلا ما عقل.

ولذلك ينبغي للمسلم أن يكون على حذر من التأثيرات الخنزبية على صلاته؛ لأنه عندما يصلي فهو يناجي ربه فيقبل عليه ربه عز وجل  فلا يليق به أن ينصرف بقلبه وعقله من مناجاة ربه إلى أمور أخرى.



ما قلته ليس من نسج الخيال ولا للتسلية أو راحة البال.
بل هو مأخوذ من مشكاة من لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
ولقد وردت في هذا الموضوع أحاديث عدة غير أني أكتفي هنا بذكر حديث واحد فقط.

فقد جاء الصحابي عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله، واتفل على يسارك ثلاثاً"
قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عني. رواه مسلم (2203)

قال النووي: معنى يلبسها: أي يخلطها ويشككني فيها.
ومعنى حال بيني وبينها: أي نكدني لذتها.
وفي هذا الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وسوسته، مع التفل على اليسار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق