الأحد، 18 يونيو 2017

مقال: أذلة على المؤمنين






نُشر في مجلة رابطة العالم الإسلامي
العدد ٤٥٨
ربيع أول ١٤٢٤هـ


الذل والهوان من الصفات الذميمة،
والخصال المهينة،
التي لا يرضاها الإنسان لنفسه ولا لأهله أو لأحد ممن يحبه.

قال في لسان العرب: الذُّل: نقيض العز.
وفي القاموس المحيط: ذَلَّ يذل ذُلاً وذُلالة -بضمها- وذِلة -بالكسر- وتذلة وذلالة: هان.
فإذا كان الذل هو الهوان وانتفاء العز والشرف فأي عاقل يرضى به لنفسه أو لأهله وعشيرته.


وقد وردت هذه الكلمة في الكتاب والسنة في مواضع كثيرة.
في موضع الذم كما وردت في وصف الكفار حينما يرون مصيرهم المظلم يوم القيامة فيصيبهم من الخزي والهوان ما لا يوصف كقوله تعالى: [خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون] المعارج : ٤٤
أو في وصف أقوام عصوا الله ورسله فآذوا رسلهم أو قتلوهم كقوله تعالى: [وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله] البقرة : ٦١


ولكن الكلمة نفسها استعملت في موضع المدح أيضاً
وهو ما أقصده هنا،
فقد قال تعالى: [واخفض لهما جناح الذل من الرحمة] الإسراء : ٢٤
قال ابن كثير: أي تواضع لهما بعقلك.

وفي سورة المائدة: [يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين]





ومن هنا عرفنا أن من صفات المؤمنين الكاملين أنهم أذلاء أمام إخوانهم المسلمين.
متواضعون لهم.

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: 



والتواضع ليس منقبة خيالية مثالية يدعيها كل إنسان أو يزعمها في نفسه.
بل التواضع ممارسة سلوكية عظيمة تظهر آثارها فيمن يتصف بها في كل حين.


فالتواضع هو التصاغر.
فإذا التقى المسلمان ورأى كل واحد منهما في نفسه أنه أصغر من أخيه فهما متواضعان.




وإذا التقى المسلمان فتسابق كل واحد منهما بالسلام على أخيه فإنهما متواضعان، والبادئ بالسلام أفضل.




وإذا التقى المسلمان في أماكن التزاحم والتدافع فحاول كل منهما أن يتأخر بنفسه ويؤثر أخاه عليه فإنهما متواضعان.




وهكذا في كثير من المواقف يظهر أثر التواضع على الإنسان.







وانتشار التواضع في المجتمع يورث المودة والمحبة والأخوة والتعاون والتكاتف، فيصبح المجتمع بالفعل كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كالبنيان يشد بعضه بعضاً) و (كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى).


وعند فقدان التواضع يكثر في المجتمع التكبر والتفاخر، والتنافر والبغض والحسد والكراهية بين الناس.
وهي من أعظم أسباب الفساد في المجتمع.
وإننا بالتواضع نستطيع أن نعالج كثيراً من المفاسد المنتشرة..






فاجعلنا اللهم أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين..


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق